جبلة تاريخ عريق

جبلة: تاريخ عريق ومقومات المدن السياحية الهامة
اللاذقية-سانا /28 حزيران , 2009
خلفت النصوص والرقم الفخارية التي تم اكتشافها في كثير من المواقع الأثرية موروثات كتابية وفنوناً وثقافات وحضارات متعددة تتسم بالأصالة والغزارة والتنوع عمقت معرفتنا بساحلنا الغني بآثاره وحضاراته العريقة وأدهشتنا المكتشفات لما تضمنته من سير تتحدث عن أمجاد أسلافنا في الهندسة والبناء وتشييد المدن والقلاع التي دلت عليها المعالم الأثرية في كثير من المدن ومنها مدينة جبلة القديمة التي تمتلك مقومات تؤهلها لأن تكون في المناطق السياحة الهامة.
وقال الباحث المهندس إبراهيم خير بك مدير الآثار في جبلة إن مدينة جبلة مدينة موغلة في القدم ويرد اسمها في النصوص المسمارية المكتشفة في مملكة أوغاريت حيث كانت جزءاً منها في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد وتفيد المراجع بأنها كانت أحد الموانئ السبعة التابعة لأوغاريت وهي عبارة عن مجموعة أحياء سكنية ذات بعد تاريخي ضمن حيز فراغي يعود إلى الفترات العثمانية والمملوكية والفرنسية وهي تتميز بموقعها على الشاطئ ووجود مرفئها الفينيقي وهو أحد المرافئ التي بنيت بالعصر الفينيقي على الساحل السوري وكان عبارة عن صلة الوصل بين جبلة وموانئ مماليك المتوسط لاستقبال بضائع التجار من حيث الاستيراد والتصدير والميناء محافظ عليه وهو على شكل نعل فرس ومازال حتى الآن وتمت المحافظة عليه من قبل الموانئ البحرية.
وأوضح أن مدينة جبلة تمتلك نسيجاً عمرانياً متميزاً ومتعدد الوظائف لأن بناءه يعود إلى فترات تاريخية عديدة وهذا البناء هو جزء من مركز المدينة الحالي ويشمل الشوارع الضيقة والمتعرجة والمظللة ويتخللها بعض القبوات كشارع الملك فيصل وزقاق المفتي وتتفرع عنها طرق مسدودة تضيق وتتسع حسب الأبنية المشيدة عليها والتي تميزت بالأقواس والصالونات الكبيرة وساحة الدار.

وأضاف خير بك أن من يزور مدينة جبلة سيجد بانتظاره إلى جانب المدينة الجميلة مدرج جبلة الأثري وقلعتها التي بناهما أبناء المنطقة وهي دليل راسخ على عبقريتهم الحضارية في العهد الروماني فالمدرج بني على أرض مستوية في مطلع القرن الثاني الميلادي ويعتقد البعض أن فيه تأثيراً هيلينستياً شكله دائرة تحمل عقوده 35 صفاً من المقاعد تركت بينها مسافات محددة لمرور المتفرجين كما هو الحال في مسارح الوقت الحالي أما عقود المسرح فقد احتاجت إلى أحجار كثيرة لانجازها ويستوعب المدرج من 8000 إلى 10000 متفرج ويبلغ قطره 90 متراً ويتألف من منصة التمثيل والمدرج والصحن ويحيط به 17 رواقا شعاعياً ورواقين دائريين إضافة إلى الدهاليز التي كانت واسعة لدخول المتفرجين إلى بهو المسرح والخروج.
وأشار إلى أنه تم مؤخراً تركيب أروقة بارتفاع 5 أمتار إضافة إلى تركيب أحجار المنصة المفقودة وتركيب المحاريب على واجهة المنصة وظيفتها منع ارتداد الصوت بين الجمهور والممثلين واكتشاف غرف للملقنين تحت خشبة المسرح.

ومن المعالم الأثرية الهامة في جبلة مسجد السلطان إبراهيم بن الأدهم الذي تحدث عنه أبو الفداء وابن بطوطة وذكره الباحث جبرائيل سعادة في كتابه أبحاثا أثرية وتاريخية وروى قصة الجامع وقبر السلطان إبراهيم بن الأدهم حيث قال إن والدة إبراهيم خرجت من مملكة بلخ الإيرانية باحثة عن ولدها الذي ترك العرش ورحل وحملت معها كنوزا وأموالا طائلة لعلها تستطيع أن تغريه لإعادته إلى مملكته وبعد بحث طويل صادفته في مدينة جبلة فأخذت ترجوه وتستعطفه وتغريه بالأموال ليعود لكن دون جدوى وعلى اثر رفضه بقيت معه مدة طويلة لإقناعه ولكنه توفي في تلك الأثناء وبعد وفاته أرادت أم السلطان أن تخلد اسم ولدها وذكره وأخذت تشتري الأراضي والعقارات بأثمان باهظة وبنت له جامعا عرف باسمه وضم قبره في الزاوية الجنوبية الشرقية منه وأنفقت كل ما اشترته لأعمال الخير والبر والإحسان عن نية ولدها إبراهيم.
ويعتقد أهالي المنطقة أن الوقف بدأ منذ ذلك الحين والمعروف اليوم بوقف السلطان إبراهيم.
ويؤكد الباحث سعادة أن والدة السلطان انتقلت إلى مدينة اللاذقية وماتت ودفنت فيها مما يؤكد ذلك وجود مكان في اللاذقية يطلق عليه قبر أم السلطان كما يوجد نبع ماء سمي باسمها ونسب إليه حي عين أم إبراهيم وحتى تاريخه مازال موجودا ويقع شمال مديرية السياحة حاليا.
كما يوجد في المدينة القديمة جامع المنصوري وهو جامع مملوكي شيد بعصر السلطان منصور بن قلاوون يتميز بمئذنته الغربية المتبقية ذات المقطع المربع ويتكون من مصلى للعبادة وصحن وهو محافظ على شكله وحجارته وتم إجراء بعض الترميمات البسيطة ويشكل احد العناصر المعمارية التي تؤكد على الترابط العمراني للمدينة القديمة ومازال الجامع يستخدم للعبادة حتى وقتنا الحالي ويتبع للجامع حمام سمي بالتصاوير لكثر صوره ويقع في زقاق البحر ويتميز بقبابه المختلفة وأقسامه الثلاثة ولكنه لا يستخدم حاليا كونه بحاجة إلى الترميم.
وأظهرت المكتشفات الأثرية في مدينة جبلة القديمة وجود مدافن فينيقية تتوضع على طول الشاطئ الصخري ولا تزال السلالم الحجرية المؤدية إليها بحالة جيدة وقد كشفت أثناء تنفيذ مشروع للصرف الصحي عن العديد من المدافن الرومانية.
وهكذا نرى أن المكتشفات الأثرية أظهرت بأن الساحل السوري كان مهدا للحضارات العريقة وعنوانا يعطينا كل ما هو جديد عن ماضيها التليد لنصيغه بحروف من نور يشع في سماء حاضرها العتيد.

يعطيك العافي
تحياتــ ميموــي